sniper Admin
عدد المساهمات : 15 نقاط : 43 تاريخ التسجيل : 12/08/2011
| موضوع: الثقافة العسكرية(3/4) الإثنين أغسطس 29, 2011 3:23 pm | |
| ثانيا :إعداد غرف العمليات المدنية وتنقسم هذه الغرف نوعيا إلى قسمين : غرفة رئيسية ترتبط ارتباطا مباشرا بكل من قيادة القوات المسلحة والقيادة السياسية العليا . ومجموعة أخرى من الغرف بكل وزارة ومرفق ، ومحافظة ومدينة ، وتخضع هذه الغرف جميعا للغرفة الرئيسية الأولى بالأسلوب التدريجي المعروف . وبالطبع يوجد لكل غرفة من هذه الغرف غرفة أخرى تبادلية تستخدم عند اللزوم . وتقوم هذه الغرف كل في مكانها بالسيطرة على فصائل المقاومة الشعبية ، وتوجيه الدفاع المدني ليستطيع حماية المنشآت الحيوية ، مثل منشآت الري والصرف والمياه والمجاري والكهرباء والسكك الحديدية ، فضلا عن المعاونة على استمرار هذه المنشآت فيما لو تعطلت بفعل فاعل .
ثالثا :تكوين فصائل المقاومة الشعبية والدفاع المدني وتتكون فصائل المقاومة الشعبية ممن فاتهم أو لم يصبهم الدور الالتحاق بالقوات النظامية ، حيث يلحق هؤلاء الأفراد بتنظيمات شبه عسكرية تتولى تدريبهم على أعمال المقاومة الشعبية مثل : مقاومة الهابطين بالمظلات ، والكشف عن الجواسيس والعملاء ، وتقدم المعاونة للقوات النظامية . وأما فصائل الدفاع المدني فتتكون من كل القادرين على أعمال الدفاع المدني المتعلقة بإنشاء المخابئ ، وإطفاء الحرائق ، وإسعاف الجرحى ، وقيادة المواطنين عند الغارات ، بل وحتى حياكة الملابس العسكرية المطلوبة للمحاربين .
المبحث الثاني إعداد الجبهة السياسية فالحرب الناجحة محصلة أمرين : إعداد سياسي جيد ، وخطة عسكرية متقنة . ويعتمد الإعداد السياسي أول ما يعتمد على تهذيب أهداف الحرب لتكون متوافقة مع القانون الدولي العام ، فهذا التوافق بين أهداف الحرب وبين القانون الدولي العام هو الأساس الذي تستند إليه الدول المحاربة حين تنادي بحقها في الحرب ، كما أنه طريقها الواسع للحصول على تأييد الغالبية العظمى من دول العالم ، فكما أنه لا قيمة لحق لا تحميه القوة ، فإنه لا قيمة لقوة تتجه إلى غير حق ، ولا يغرنا في هذا تقلب بعض الغاشمين في بعض البلاد فمثل هذا مصيره إلى زوال ، إذ لو يصح إلا الصحيح ولو بعد حين . وبعد أن تثق الدول في مشروعية أهدافها ، فإنها تتجه إلى المحافل الدولية حيث تقوم بعرض قضيتها هناك ، قاصدة بذلك إظهار مالها من حق ، وما عليه عدوها من باطل ، إذ بذلك تزداد قوتها بازدياد المؤيدين ، وتنقص قوة عدوها بانصراف المشايعين . وتعتبر هذه المرحلة من أهم مراحل الإعداد السياسي للحرب ، فيها تحفز الدولة المحاربة كل الهمم الدولية حتى تمارس الضغط المطلوب على العدو قبل وبعد المعركة معه . وبقدر ما تنجح الدولة في عرض قضيتها ، وفي كسب المؤيدين لها ، بقدر ما ستجني - فيما بعد - ثمارا طيبة للحرب التي ستخوضها . ولا تكتفي - الدول في مجال الإعداد السياسي للحرب - بتلقي البركات من غالبية الدول ، بل إنها تقوم بعد ذلك بتصنيف هذه الدول لتخرج من بينها الدول التي تتعدى مرحلة التأييد الرسمي إلى مرحلة التحالف . فلكل دولة حلفاؤها ، سواء تدنى هؤلاء الحلفاء إلى مرحلة التأييد الشعبي والرسمي ، أم ارتفعوا إلى مرحلة الاشتراك في العمليات العسكرية . والدول الماهرة هي التي تعد هؤلاء الحلفاء بأسلوب مدروس ليكونوا سندها وعمقها حين يبدأ القتال . وليست هناك وسيلة واحدة لإعداد كل هؤلاء المتحالفين فدول التأييد الرسمي والشعبي لابد لها من عدد كاف من الديبلوماسيين والإعلاميين المهرة الذين يعرفون طريقهم لتنمية واستثمار هذا التأييد ، وأما دول العمق المكاني والتسليحي والاقتصادي ، فلابد لها من لجان متخصصة تعرف كيف تسيل الماء في القنوات الجافة ، وأما الحلفاء المقاتلون فيتم التنسيق معهم على أعلى مستويات التنسيق حتى نضمن لأنفسنا إيقاعا موافقا في العمليات العسكرية يخدم في نهاية الأمر هدفنا الاستراتيجي العام .
المبحث الثالث إعداد الجبهة الاقتصادية وقد تعاظمت أهمية هذه الجبهة بظهور الدول التدخلية واضطرار - حتى الدول اللاتدخلية - إلى التدخل في كافة المجالات الاقتصادية والاجتماعية ، وذلك لضمان حل المشكلة الاقتصادية (نسبة الكثافة السكانية إلى نسبة الموارد الإستراتيجية) والمشكلة الاجتماعية (نسبة التكافل الاجتماعي المطلوب إلى نسبة العمالة المنتجة) . ويعبر عن إعداد الجبهة الاقتصادية بتحويل الاقتصاد من مدني إلى حربي ، ويتم ذلك بوسائل عدة منها توجيه معظم الموارد للمجهود الحربي بما يعينه ذلك من تعطيل جزئي لبعض الخطط الاقتصادية المدنية . وكذلك توجيه السياسات المالية والسعرية والنقدية والادخارية لتخدم من الإنتاج إلى الإنتاج الحربي المباشر ، وكذا الحد من الاستهلاك وبناء المخزون الاستراتيجي اللازم . وبالإضافة إلى هذا يتم وضع الوسائل الاقتصادية اللازمة لتجاوز أثر الحرب على الميزان التجاري نظرا لما سيصاحب الحرب من انخفاض في الصادرات وزيادة في الواردات . وأثرها على النفوس العاملة ، نظرا لما سيصاحب الحرب من امتصاص جانب كبير من العمالة والخبرات والمهارات لصالح الأغراض العسكرية ، وأثرها على الدخل العام ، لما سيصاحب الحرب من تأثير عل قطاع الخدمات من نقل ومواصلات وسياحة . . إلخ . .
المبحث الرابع إعداد الجبهة الإعلامية والتأكيد على أهمية هذه الجبهة وأنها أحد ركائز الحرب الناجحة ، قد صار من نافلة القول الآن . وأول الطريق لإعداد هذه الجبهة هو إعداد الكوادر الإعلامية الحرفية ، فهذه الكوادر المؤهلة والواعية هي العنصر الحي الذي يحيل الأجهزة والسياسات الإعلامية إلى واقع حي مثر . ثم يأتي بعد ذلك دور الأجهزة الإعلامية ، وهي على نوعين رئيسيين : أجهزة الكلمة المقروءة ، وأجهزة الكلمة المسموعة . ويتم التعبير عن الكلمة المقروءة بوسائل عدة تنقلب من البسيط إلى المركب حين ننتقل من حيز النشرات والكتيبات إلى حيز الكتب والصحف والمجلات المحلية والعالمية . وأما التعبير عن الكلمة المسموعة فيتم بطرق عدة من مثل : الإذاعة ، مرئية وغير مرئية ، والأفلام التسجيلية التي تبثها قوافل الاستعلامات مصحوبة بشرح سياسي واف ، والندوات والمحاضرات واللقاءات السياسية التي تنظمها وسائل الثقافة الجماهيرية والتثقيف السياسي ، وأخيرا فهناك المسرح السياسي أو الوطني الذي يتعاظم دوره في زمن الحرب خصوصا إذا كان مرتكزا على أصول دينية كالمسرح الإسلامي في مصر وبعض البلاد الإسلامية . وتعتبر هذه الأجهزة المختلفة وسيلة مماثلة للأجهزة الديبلوماسية ولكن في المجال الإعلامي ، فإنه إذا كان مجال الديبلوماسية هو الأشخاص الرسميون وأصحاب القرار فإن مجال الأجهزة الإعلامية هو قطاعات الرأي العام والمراكز المؤثرة على صناع القرار ، فالمعنى واحد وإن اختلف المجال . ولا قيمة لهذه الأجهزة ما لم تتبع سياسة إعلامية ناجحة ، لا تلتزم ، إن التزمت ، إلا بالواقعية ، وعرض الحقائق ، فلم يعد ممكنا إخفاء الحقيقة الآن كما أن الناس لم يعودوا يقبلون التلون بأذواق النفعيين الذين يجيدون فن الإعلان لا الإعلام . وحين تقوم الدولة على استكفاء الكوادر الإعلامية ، والأجهزة التعبيرية ، والسياسات السليمة ، فإنها تضمن لمقاتليها ، إذ يحاربون ، ظهرا محميا من الإشاعات الفتاكة والآراء الهدامة التي تبثها أجهزة الحرب النفسية المعادية طوال فترة الحرب .
الفـصل الثاني حرب العـصابات تمهيد : تعرف حرب العصابات بأنها شكل خاص من أشكال القتال يدور بين قوات نظامية ، وبين تشكيلات مسلحة تعمل في سبيل مبدأ أو عقيدة بالاعتماد على الشعب أو جانب منه ، وتستهدف تهيئة الظروف الكفيلة بإظهار هذا المبدأ أو هذه العقيدة إلى حيز التطبيق . وقد بدأ تبلور حرب العصابات بهذا المعنى على يد الأسبان الذين شكلوا من بينهم عصابات مسلحة لمقاومة نابليون وإزعاجه وإنهاكه بعد هزيمة قواتهم النظامية على يديه . وقد ساهمت هذه العصابات الإسبانية فيما بعد مساهمة ملموسة في معاونة ويلنجتون حين دخل بقواته النظامية ضد نابليون في المعركة المعروفة باسم معركة واترلو عام 1815 . وحرب العصابات بهذا المعنى الذي أوضحناه تختلف عن صور أخرى قد تشتبه معها من مثل الحرب الأهلية ، والمقاومة الشعبية ، والثورة ، والعصيان والتمرد . فالحرب الأهلية هي تلك التي تنشا بين مجموعتين أو مجموعات متكافئة تمت لبلد واحد . وأما المقاومة الشعبية فهي نوع من الدفاع التلقائي غير المنظم يلجأ إليه الشعب عاطفيا لمقاومة قوات محتلة أو آخذة في الاحتلال ، ودون أن ينتهج الشعب في ذلك تنظيما سياسيا معينا . وأما الثورة فهي حادث سياسي جلل يقلب الأوضاع في دولة معينة ليرتفع بمستوى الواقع إلى مستوى الآمال الوطنية . أما العصيان والتمرد فهما هبة مسلحة تتقرر نتيجتها بسرعة . وهذه ولاشك نماذج لا علاقة لها بحرب العصابات التي نتحدث عنها ، والتي يعتبر ماوتسي تونج أول من وضع قوانينها الإستراتيجية في العصر الحديث ، بحيث صارت بهذه القوانين ظاهرة من ظواهر الحرب تعادل في أهميتها وخطورتها أنواع الحروب الأخرى . وللتدليل على أهمية هذا النوع من الحروب ، نذكر بالنتائج التي حققتها العصابات الصينية ضد الغزاة اليابانيين ، والسوفيتية ضد الألمانيين ، والجزائرية ضد الفرنسيين ، والفيتنامية ضد الفرنسيين ثم الأمريكيين ، وأخيرا قوات حركة موختي باهيتي في بنجالديش ضد القوات الباكستانية . بل إنه ليس أدل على أهمية هذا النوع من الحروب ، من أن دولا كالولايات المتحدة الأمريكية ، وألمانيا الاتحادية ، وفرنسا ، قد استفادت من فكرته بإنشاء قوات تنهج أسلوب رجال العصابات بالرغم مما تملكه هذه الدول من إمكانات التعبئة النظامية . وعلى أية حال ، فسوف نقطع تماما بأهمية هذا النوع من الحروب إذا ما استيقنا أنها ليست صورة مصغرة للحرب التقليدية ، وإنما هي حروب مختلفة تماما في قوانينها ومبادئها وكيفية الإعداد لها ، وهو ما سيتضح من دراستنا لعناصر هذه الحرب وكيفية الإعداد لها في الفرعين التالين :
الفرع الأول عناصر حرب العصابات وسنعمد هنا إلى محاكاة الدراسة في الحرب التقليدية دون أن ينسينا هذا الاختلاف البين في معطيات العناصر في كل من الحربين . ولعل منشأ هذه المحاكاة أن الحروب مهما تنوعت إنما ترتكز على أربعة عناصر هي : الإستراتيجية التي تتعلق بمجمل عملياتها ، والتكتيك الذي يتعلق بأسلوب تنفيذ العمليات في المعارك المختلفة ، والتقدم العلمي الذي يحسم كثيرا من مواقفها ، وأخيرا الخطة التي هي في حقيقة أمرها ، توظيف للعناصر الثلاثة السابقة في زمان ومكان بعينهما . ونتناول فيما يلي كل عنصر من هذه العناصر في مبحث مستقل .
المبحث الأول الإستراتيجية في حرب العصابات ولما كانت الإستراتيجية تتأثر بالواقع سلبا وإيجابا ، وكان الواقع في حرب العصابات يبدأ بمجموعة صغيرة تؤمن بمبدأ أو عقيدة . فليس لهذه المجموعة إلا أن تتسلح بمبادئ إستراتيجية معينة تتيح لها التأمين والنماء حتى تأتي اللحظة التي تستطيع فيها حسم الحرب لصالحها ، وهذه المبادئ الإستراتيجية هي : 1- العمل من خلال تنظيم عقائدي . 2- تجنب الحسم العسكري . 3- الحرص على الحسم السياسي . 4- المرحلية . 5- الحرص على التأييد الشعبي . 6- العمل على الفوز بالتأييد الدولي المناسب . ونتناول فيما يلي كل مبدأ من هذه المبادئ .
المبدأ الأول :العمل من خلال تنظيم عقائدي فأول مبدأ من مبادئ الإستراتيجية في حرب العصابات هو إدارة الحرب عن طريق تنظيم سياسي قائد ، وقد مر بنا- من قبل- أن هذا هو الفارق بين حرب العصابات وغيرها من أنواع المقاومة الأخرى . ولهذا المبدأ مجموعة من الأسباب أهمها : الطبيعة السياسية لحرب العصابات ، وحاجة العصابات إلى عنصر الالتزام ، فضلا عن اعتمادها التام على مركزية التخطيط . فأما عن الطبيعة السياسية لحرب العصابات ، فقد أوضحنا من قبل أن نواة هذه الحرب هي مجموعة من الرجال باعوا أنفسهم وأموالهم في سبيل مبدأ سياسي معين وليس من سبيل أمام هذه المجموعة إلا الاعتماد على التوجيه والتثقيف السياسي لتواجه به التفوق المادي المعادي ، ولتقنع به رجالها بالتقشف والمثابرة والصمود والمقاومة . وأما عن حاجة العصابات إلى عنصر الالتزام ، فقد ثبت أنه بدون هذا العنصر لا يستطيع قادة العصابات أن يعملوا على جمع الشاردين ، وكبح الجامحين ، فضلا عن تقديم المعاونة لمن يحتاج إليها من تشكيلات العصابات المنتشرة هنا وهناك . والطريق الوحيد هو خضوعهم لتنظيم عقائدي قائد ، إذ لا يملك رجال العصابات تلك الوسائل التي تمكن الجيوش النظامية من فرض الطاعة بأسلوب الضبط والربط القهري . وأما عن اعتماد العصابات التام على مركزية التخطيط فأساسه ضمان الفعالية ، إذ في مثل حرب كحرب العصابات ، يتأتى النصر الكبير من آلاف من الانتصارات الصغيرة ، ولا يمكن تحقيق الفعالية لهذه العمليات الصغيرة المتعددة إلا إذا كانت جميعها موظفة - بتخطيط مركزي واع -لخدمة الهدف النهائي للحرب . ولا يمكن ضمان المركزية في التخطيط إلا إذا خضع الجميع لتنظيم عقائدي قائد . ولا يختلف المعنى المقصود بالتنظيم العقائدي عن المعنى المشهور للحزب السياسي إلا من ناحية الوسائل فقط ، فبينما يتشابهان في كونهما جماعة متحدة من الأفراد تعمل للفوز بالحكم بقصد تنفيذ برنامج سياسي معين ، فإنهما يختلفان في الوسائل المتبعة لتحقيق هذا الهدف ، حيث تنتهج الأحزاب السياسية الوسائل الديمقراطية ، بينما يرى رجال العصابات ألا جدوى إلا بالاعتماد على الوسائل العسكرية . ولعل منشأ هذا الاختلاف في الوسائل راجع إلى أن نظام الحزب السياسي يعتبر وليدا للأنظمة النيابية ، وفي هذه الأنظمة يمكن مواجهة التحديات السياسية بالوسائل الديمقراطية ، بينما التنظيم العقائدي في حرب العصابات يعد وليدا لنقلة سياسية بعيدة يراد لها أن تكون ، وهو مالا يمكن تحقيقه إلا باشتراك الوسائل العسكرية بالطبع .
المبدأ الثاني :تجنب الحسم العسكري ويقصد بهذا المبدأ تجنب العمل على كسب الحرب بالوسائل العسكرية البحتة ، فهذا الأسلوب فضلا ، أنه أكبر من طاقة رجال العصابات . فإنه لا يتفق وطبيعة هذه الحرب . فحرب العصابات هي حرب السياسة في مواجهة القوة ، حرب الالتزام العقائدي في مواجهة التجنيد الإجباري ، أي أنها حرب الأضعف في مواجهة الأقوى ماديا ، ولا سبيل مع هذا الواقع إلا إذا تجنبنا الحسم العسكري واستبدلناه بالحسم السياسي على ما سيجيء . ولتجنب الحسم العسكري يعمد رجال العصابات إلى إطالة أمد الحرب بأي ثمن ، ولو أدى ذلك إلى التراجع المكاني إذ لا يهم هذا التراجع المكاني مادامت الرقعة السياسية تزداد يوما بعد يوم . ولإطالة أمد الحرب ، ينتهج رجال العصابات عقيدة « الحركية » من الناحية العسكرية ، وتعني هذه العقيدة الديناميكية الدائمة ، فضلا عن الفعالية والمبادرة وسرعة اتخاذ القرار في مواجهة الأوضاع المتغيرة . بحيث تظل الحرب سائرة إلى الأمام دوما . فعقيدة الحركية تعني بالنسبة لرجال العصابات الحماية التامة من الفتور وفقدان الحماسة فتزداد قواتهم وقوتهم كل يوم ، بينما تعني بالنسبة لعدوهم اليأس الكامل من هذه الحرب التي لا تريد أن تتوقف ولا يبدو لها نهاية ما . وهنا لابد أن يعمل عدوهم على التخلص من هذه الحرب حماية لنفسه من الانتحار السياسي . وقد تبدو إستراتيجية بث اليأس في نفس العدو نوعا من الترف بالنسبة للعسكريين النظاميين ، إذ لا يعرف هؤلاء إلا إحدى إستراتيجيتين ، هما إستراتيجيتا الحسم والردع . وتعتمد الأولى على قتال العدو حتى تدميره . بينما تعتمد الثانية على ايجاد القوة الكافية لإرهاب العدو ومنعه من التفكير في الحرب . وهاتان الإستراتيجيتان وإن كانتا تناسبان الجيوش النظامية وما تملكه من إمكانات التعبئة الإدارية ، إلا أنهما لا تناسبان قدرات رجال العصابات كما لا يخفى .
المبدأ الثالث :الحرص على الحسم السياسي وبينما ينبذ رجال العصابات فكرة الحسم العسكري ، ولا يرون الحلول النابعة منها إلا حلولا نابعة من فقدان الصبر وتعجل الواقع ، فإنهم يحرصون تماما على الحسم السياسي ، ويستخدمون في سبيله كل وسائلهم المتاحة . ويعني هذا المبدأ مداومة الضغط السياسي على العدو حتى لا يجد مفرا من التسليم بمطالب العصابات السياسية . وتنحصر مبررات هذا المبدأ في تسليم رجال العصابات بعدم جدوى الوسائل العسكرية وحدها ، فضلا عن اقتناعهم التام بأنهم لا يحاربون من أجل غزو مادي ، وإنما من أجل تحرير سياسي وفتح عقائدي ، ولهذا فإن الحرب بالنسبة لهم تنتهي مع العدو حالما يسلم لهم بأهدافهم السياسية ، ويترك لهم حرية العمل على نشرها وتطبيقها . وأما وسائل تحقيق هذا المبدأ ، فأولها تحليل الموقف السياسي العام بدقة ، وتحديد عوامل الإيجاب والسلب فيه ، ثم العمل على توظيف العوامل الإيجابية وتحييد العوامل السلبية لخدمة الأهداف السياسية المطلوبة . ويراعى في تحليل الموقف السياسي دراسة الأوضاع السياسية المحلية والدولية ، كما تدخل في دراسة العوامل السياسية الإيجابية والسلبية دراسة العقائد السياسية لدى كل من الطرفين ، وكذا دراسة مدى إيمان الأنصار خاصة ، والشعب عامة ، بهذه العقائد السياسية ، فضلا عن مدى تحالف هذه العقائد مع كل من المستقبل وقواعد اللعبة الدولية . فالإضافة إلى مدى استعداد كل طرف للصمود في سبيلها ومن أجلها أطول مدة مطلوبة .
| |
|