يعتبر يوسف العظمة واحدًا من كبار المناضلين والشهداء في سبيل استقلال سورية بشكل خاص، وقضية الحرية بشكل عام، كما يعتبر أيضًا أحد الفدائيين الاستشهاديين في بداية القرن العشرين متحديًا بقواته المحدودة القوة العسكرية الفرنسية المتقدمة باتجاه دمشق سنة 1920م للسيطرة على سورية واحتلالها.
ولد يوسف العظمة في دمشق سنة 1884م، وتعلم في مدارسها، أكمل دراسته العليا في المدرسة الحربية بالأستانة سنة 1906م وتخرج برتبة (يوزباشي) أركان الحرب، وتنقل في الأعمال العسكرية بين دمشق ولبنان والأستانة، وأرسل إلى ألمانيا للتمرن عمليًّا على الفنون العسكرية فمكث سنتين، وعاد إلى الأستانة فعين كاتبًا للمفوضية العثمانية في مصر، وعندما نشبت الحرب العالمية الأولى هرع إلى الأستانة متطوعًا، وعُيِّن رئيسًا لأركان حرب الفرقة العشرين ثم الخامسة والعشرين، وكان مقرها في بلغاريا ثم في غاليسيه النمساوية ثم في رومانيا. ذكر عنه أنه كان يجيد -إضافةً إلى العربية- اللغة التركية والفرنسية والألمانية وبعض الإنجليزية.
عاد إلى الأستانة فرافق أنور باشا (ناظر الحربية العثمانية) في رحلاته إلى الأناضول وسورية والعراق، ثم عُيِّن رئيسًا لأركان حرب الجيش العثماني المرابط في قفقاسية، فرئيسًا لأركان حرب الجيش الأول بالأستانة.
ولماّ وضعت الحرب أوزارها عاد إلى دمشق، فاختاره الأمير فيصل مرافقًا له، ثم عينه معتمدًا عربيًّا في بيروت فرئيسًا لأركان الحرب العامة برتبة قائم مقام في سورية، ثم وُلِّي وزارة الحربية سنة 1920م بعد إعلان تمليك فيصل بدمشق، فنظَّم جيشًا وطنيًّا يناهز عدده عشرة آلاف جندي، واستمر إلى أن تلقى الملك فيصل إنذار غورو الشهير الذي كان من بنوده وجوب حل الجيش العربي وتسليم السلطة الفرنسية خط (رياق - حلب)، وقبول تداول ورق النقد الفرنسي السوري، وغير ذلك مما فيه القضاء على استقلال البلاد وقبول الاحتلال، فتردد الملك فيصل ووزارته بين الرضا والإباء، ثم اتفق أكثرهم على التسليم.
فأبرق الملك فيصل إلى الجنرال غورو بالموافقة، وأوعز بحلِّ الجيش، ولكن بينما كان الجيش العربي المرابط على الحدود يتراجع منفضًّا، كان الجيش الفرنسي يتقدم (بأمر من الجنرال غورو)، ولمّا سُئل عن هذا الأمر أجاب: بأن برقية فيصل بالموافقة على بنود الإنذار وصلت إليه بعد أن كانت المدة المتفق عليها (24 ساعة) قد انتهت.
وعاد فيصل يستنجد بالوطنيين السوريين لتأليف جيش أهلي يقوم مكان الجيش المنفض في الدفاع عن البلاد، وتسارع شباب دمشق وشيوخها إلى ساحة القتال في ميسلون، وتقدم يوسف العظمة يقود جمهور المتطوعين على غير نظام، وإلى جانبهم عدد يسير من الضباط والجنود، وكان قد جعل على رأس (وادي القرن) في طريق المهاجمين ألغامًا خفية، فلمّا بلغ ميسلون ورأى العدو مقبلاً أمر بإطلاقها فلم تنفجر، فأسرع إليها يبحث عن السر في عدم انفجارها..
فوجد أن أسلاكها قد قُطِّعت، فعلم أن القضاء نُفِّذ، فلم يسعه إلاّ أن ارتقى ذروة ينظر منها إلى دبابات الفرنسيين زاحفة نحوه، وجماهير الوطن من أبناء البلاد بين قتيل وشريد، فعمد إلى بندقيته وهي آخر ما تبقى لديه من قوة، فلم يزل يطلق نيرانها على العدو حتى أصابته قنبلة أردته شهيدًا. وفاضت روحه في أشرف موقف، ودفن بعد ذلك في المكان الذي استشهد فيه، وقبره إلى اليوم رمز التضحية الوطنية الخالد تحمل إليه الأكاليل كل عام من مختلف الديار السورية.
اعتبر يوسف العظمة رمزًا وطنيًّا، كما اعتبرت معركة ميسلون على الرغم من نهايتها الفاجعة تعبيرًا عن إرادة الصمود في هذه الأمة. وكان يوسف العظمة آخر وزراء الدفاع الذين ينزلون إلى الميدان ليتصدوا للعدو، وكل من جاء بعده إنما كانوا وزراء مكاتب فحسب.
المراجع:
- (موسوعة رجالات من بلاد العرب)، د. صالح زهر الدين، المركز العربي للأبحاث والتوثيق، بيروت، الطبعة الأولى 2001م، ص882-886.
- (موسوعة السياسة)، د. عبد الوهاب الكيالي وآخرون، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، الطبعة الأولى 1994م، الجزء السابع، ص459.
المصدر: مركز الشرق العربي.